محام/ جمال محمد الجعبي
مقدمة:
غدت القنوات التلفزيونية والفضائية والإذاعات ومواقع الانتر نت من أهم الوسائل الحديثة في الإفصاح عن الرأي والتعبير، وأصبحت متجاوزة لدور الصحافة، فهي المقابل والملازم لحرية الرأي والتعبير وفي الأنظمة السياسية التي تنهج الديمقراطية وسيلة للتبادل السلمي للسلطة تتقدم وسائل الإعلام المختلفة كواحدة من وسائل الاتصال بين الأحزاب والمنظمات السياسية والجماهير ويكاد يكون هناك شبه إجماع بين فقهاء القانون وعلماء الاجتماع على أن من أولويات حرية الرأي والتعبير في النظم الديمقراطية هو تمكين الأحزاب من إبداء آراءها علناً والتعبير عن أفكارها ومبادئها دون قيود، وتمكينها من التواصل مع مختلف شرائح المجتمع، وتظل القيود التي توضع في التشريعات في حدود الاستثناء وليس الأصل،ولعل المتابع للانتخابات البرلمانية اليمنية الأخيرة أبريل 2003 يلحظ ذلك التطور الملموس في وسائل الاتصال بالناخبين حيث شهدت الانتخابات استخدام تقنيات فنية أكثر احترافاً سواء في الدعاية الثابتة أو المتنقلة أو المهرجانات والخطاب الإعلامي الصحفي أو مواقع الانتر نت أو عبر المراكز الإعلامية بالإضافة إلى أشرطة الكاسيت التي أحدثت تأثراً واضحاً من جانب أحزاب المعارضة..وذلك ما يدفعنا للنظر في وسائل اتصال الأحزاب بالجماهير خارج المواسم الانتخابية، كحق للأحزاب والتنظيمات السياسية.
وسائل الدور التعليمي للأحزاب :
رغم أي مآخذ تتعلق بطبيعة تركيبة الأحزاب السياسية في اليمن وبعيداً عن ملاحظات أنتجتها تجربة ثلاثة عشر سنة من التعددية الحزبية وعلنية النشاط السياسي المكفول دستورياً وقانونياً، ضمن استحقاقات متلازمة مع قيام الوحدة اليمنية 22مايو1990م ، رغم ذلك فإن دور الأحزاب والتنظيمات السياسية يظل عنصر مؤثر في زيادة الوعي السياسي وتأثير ذلك على التنمية بمجالاتها المختلفة، وتظل الانتخابات محطة تأتي كل فترة لتؤكد النضج وزيادة الوعي الذي تمارسه الأحزاب، فالأحزاب ” هيئات هامة أولاً في العملية التعليمية فالمواطنين في بلد حر لا بد من إرشادهم وتثقيفهم بالممارسات الديمقراطية وإحاطتهم علماً بالموضوعات السائدة في أيامهم، لا مجرد أن يصبحوا ناخبين أكثر مهارة وإنما أيضاً لكي يعيشوا حياة أكثر رضاء” والأحزاب تعوض ” نقص المعلومات والاهتمامات عند الناخب العادي وبدونها تصبح الاختيارات التي تتمخض عنها عمليات التصويت السياسية العامة عشوائية وغير منطقية”، ومن الناحية الواقعة لا يمكن لأي حزب أن يحرز انتصاراً إذا لم يكن قادر على التعبير عن المشاعر والآمال والأفكار الكامنة لدى قطاع من المواطنين بحيث يشعر هذا القطاع أنه يجد نفسه في الحزب” والأحزاب هي التي تنشر الوعي بين الناخبين وتزودهم بالمعلومات وتشكل الرأي العام، وهي التي تجعل النظام الديمقراطي ممكناً” .
والحال أن دور الأحزاب في النظام الديمقراطي مرتبط بدرجة رئيسية بالآليات التي تملكها لممارسة دورها، ومع ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ” أصبحت الأقمار الصناعية أفضل وأسرع وسيلة لنقل الصور والكلمات” عبر التلفزيون بمحطاته الأرضية والقنوات الفضائية والإذاعة والكمبيوتر والإنترنت ومعهما التلفون ومن الثابت “أن التلفزيون في هذه الأزمنة صنع لنفسه عصرا بأكمله، وكان هذا العصر التلفزيوني الحاضر في كل بيت وكل ملتقى هو الأداة التي اغتالت العمل السياسي بأساليبه المعروفة منذ بدأت عهود الديمقراطية بعد الثورة الأميركية والثورة الفرنسية أوائل القرن التاسع عشر (وكان الزعيم السوفيتي “إيليشيف لينين” يقول: إن واجب السياسة أن تذهب إلى مواقع تجمع الجماهير لكي تظل على اتصال بها، مؤثرة على فكرها متوصلة إلى تعبئتها”.. وفي زمانه كانت الجماهير تتجمع في المصانع والنقابات وفي المدارس والجامعات وفي اللقاءات المفتوحة والتظاهرات ) ،والشاهد أن الجماهير الآن لا تتجمع إلا نادرا في مكان والواقع أنها موزعة بين شو اغل عملها في الصباح وبين راحة بيوتها في المساء، وفي أغلب الأحيان فإنها مشدودة معظم الوقت تطل على الشاشات” وقد أصبح الإعلام علم مستقل بذاته وتوجد أقسام وكليات متخصصة تدرس الإعلام وخلال سنوات قليلة لم يعد (الإعلام مقتصراً على تقديم الأخبار وبث برامج التثقيف والتربية والتوعية والترفيه فحسب بل أصبح الإعلام في عصرنا الحالي هو الوسيلة الساحرة لتشكيل العقول والتأثير في اتجاهات الناس وتصرفاتهم) وبذلك فحق الأحزاب السياسية في امتلاك وسائل الاتصال بالجماهير تمثل شرطاً هاماً في قيامها بدورها في التنمية السياسية ليس كونها أحزاب فقط ولكن لما يمثله هذا من حق لا يملك أحد منعه في ظل العولمة والاتجاه الحر ( للقنوات الإذاعية والتلفاز والتي باتت اليوم في الدول المتقدمة من طبيعة العصر) وبغيرها تكون الديمقراطية منقوصة وغير مكتملة وعاجزة عن تحقيق التبادل السلمي للسلطة.
عند الحديث عن وسائل الاتصال بين الأحزاب وبين الجماهير نجد أن الوسيلة الوحيد المستخدمة في الاتصال هي الصحافة، أما وسائل الاتصال المرئي والمسموعة كالقنوات التلفزيونية والفضائيات والإذاعة فهي محتكرة لأجهزة السلطة التنفيذية التي بدورها تحتكرها للحزب الحاكم دون غيره.
الواقع التشريعي للإعلام في اليمن:
بمطالعة النصوص الدستورية والقانونية نجد أن المادة(5) من الدستور قد أكدت على التعددية السياسية والحزبية وأحالت للقانون تنظيم ” الأحكام والإجراءات الخاصة بتكوين التنظيمات والأحزاب السياسية وممارسة النشاط السياسي” ومنعت ” تسخير الوظيفة العامة أو المال العام لمصلحة خاصة بحزب أو تنظيم سياسي معين” أما المادة (24) من الدستور فقد كفلت تكافؤ الفرص لجميع المواطنين ونصت على أن ” تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، وتصدر القوانين لتحقيق ذلك” أما المادة(42) من الدستور فإنها تنص على أنه ” لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتكفل الدولة حرية الفكر والإعراب عن الرأي بالقول والكتابة والتصوير في حدود القانون”، وحيث أن ما يحق للمواطن هناك يحق للأحزاب والتنظيمات السياسية من حيث هي تجمع لأفراد المجتمع.
أما قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية رقم(66) لسنة1991م فإنه في المادة(6) ينص على أن ” يمارس الحزب أو التنظيم السياسي نشاطه بالوسائل السلمية والديموقراطية لتحقيق برامج محددة ومعلنة ..” وفي الباب الخامس من القانون المتعلق بالحقوق والواجبات جاء نص القانون صريح وواضح في حق الحزب أو التنظيم السياسي امتلاك وسائل الإعلام المرئي والمسموع حيث نصت المادة(30) على أنه ” لكل حزب أو تنظيم سياسي حق إصدار صحيفة أو أكثر للتعبير عن آراءه وذلك دون التقيد بالحصول على الترخيص المنصوص عليه في قانون الصحافة كما يحق لكل حزب استخدام كل وسائل التعبير عن الرأي وفقاً للدستور والقوانين النافذة” وبقراءة النص نجد أنه يعطي الحق للحزب أو التنظيم السياسي في إصدار صحيفة أو أكثر دون الحاجة إلى الحصول على موافقة جهة الاختصاص التي خولها قانون الصحافة والمطبوعات منح التراخيص وهي وزارة الإعلام، أما بقية وسائل التعبير عن الرأي وهي ما يندرج فيها التلفزيون والقنوات الفضائية والإذاعة والانتر نت فإن حق استخدامها مكفول لكل حزب وحق الاستخدام لا يعني بالضرورة استخدام الوسائل الموجودة لدى الغير- والمقصود بالغير هنا وسائل الإعلام الرسمية التابعة للجهاز الحكومي- وإنما يتسع ليشمل الحق في امتلاك وسائل خاصة بكل حزب على انفراد، فالأصل الإباحة ونص القانون لا يتضمن قيد عدا الدستور والقانون وحيث لا يوجد نص دستوري أو قانوني يمنع فإن الحق يكون مكفول لكل حزب أو تنظيم سياسي بامتلاك وسائل الإعلام المرئي والمسموع مثل حق امتلاك وإصدار الصحف، ويصبح امتناع جهات الإدارة عن تمكين الأحزاب من حق امتلاك وسائل الإعلام المرئي والمسموع موقف متعسف منها، طالما تم وضع عدد من الإجراءات التنظيمية التي لا تتجاوز تسهيل الحصول على الترخيص المنظم لعملية امتلاك هذه الوسائل،وعليه فإن اللجوء إلى القضاء على تبعيته في الغالب للسلطة التنفيذية يكون خطوة أولى يتبعها خطوات تبدأ بالمطالبة العلنية واستمرار المطالبة بها في جميع المناسبات واعتبارها من مقتضيات حق ممارسة النشاط السياسي للجماعات المرخص لها وفق القانون.
إن الأنظمة غير الديموقراطية ترى في حرية الرأي والتعبير تهديداً لها، فتلجأ لوضع العوائق أمامها وذلك في صورة تشريعات وقوانين تتضمن قيود ومحظورات تكون هي القاعدة وليس الاستثناء وسنلاحظ عند الحديث عن محظورات النشر كعائق أمام النشاط الإعلامي المرئي والمسموع أننا نتحدث عن الصحافة باعتبارها النشاط الإعلامي الوحيد المستخدم من المعارضة ولكن يجب التأكيد على أن هذه المحظورات تتعلق أيضاً بالنشاط الإعلامي بكل أشكاله. ومن المقرر أن قانون الصحافة والمطبوعات أو قانون العقوبات يحمي الأشخاص في أبدانهم وأموالهم وكذا يحمي اعتبارهم وشرفهم وكرامتهم، لكن القانون لا يحمي التصرفات لان تصرفات الإنسان ملك للمجتمع يراقبها ويرصد انحرافاتها.
وفي اليمن تخضع قضايا حرية الرأي والتعبير للمساءلة في قانونين هما قانون العقوبات وقانون الصحافة، و القانونين يشتركان بوجود عقوبة السجن عند ثبوت وقائع مجرمة بسبب الرأي، ولكن قانون العقوبات تصل عقوبة السجن فيه إلى سنتين وثلاث وخمس سنوات في الوقت الذي لا تتجاوز العقوبة في قانون الصحافة مدة السنة.
ينظم قانون العقوبات في الباب السادس القسم الخاص جرائم العلانية والنشر في المواد من (192) وحتى (202) وعرف القانون العلانية بأنها الجهر أو الإذاعة أو النشر أو العرض أو اللصق أو التوزيع على الأشخاص دون تمييز بينهم في مكان عام أو مباح للكافة أو في مكان يستطيع سماعه أو رؤيته من كان موجوداً في مكان عام(م192)..وبذلك فالصحف والمجلات والمنشورات أو المطبوعات والتلفاز والإذاعة والفضائيات والإنترنت هي الأدوات المستخدمة في هذه الجرائم .وعدد قانون العقوبات جرائم العلانية والنشر ومنها السخرية من الدين في عقائده وشعائره أو تعاليمه، وازدراء طائفة من الناس، أو تغليب طائفة وكان من شأن ذلك تكدير السلم العام(م194)، ولكن القانون لم يحدد كيف يمكن اعتبار هذا القول أو المقال أو الصورة سخرية من الدين الإسلامي ولا ما هي المذاهب التي يجب عدم تناولها، ويتبع هذا النص المتصف بالعمومية نص يمكن اعتباره نص منضبط وهو المتعلق بالبحث العلمي حيث لا يعد تحريضاً أو إغراء أو تحسينناً إذاعة بحث علمي في دين أو مذهب في محاضرة أو مقال أو كتاب بأسلوب علمي
أما بقية نصوص قانون العقوبات المتعلقة بجرائم العلانية والنشر فتتحدث عن إهانة رئيس الدولة والهيئات النظامية(المادة 197)ونشر أخبار تكدر السلم العام(198) ومن الملاحظ إن في هذه المادة يشترط النص توافر القصد الجنائي الخاص وهو ما يعرف بسوء القصد، و يختلف عن القصد الجنائي العام الذي يفترضه القانون بمجرد ارتكاب الفعل المجرم،والنص متعلق بنشر أخبار ويفرق فقهاء القانون بين الخبر والرأي من حيث إن الأخبار الكاذبة هي تلك التي لا تطابق بعد حقيقة الواقع سواء في مجموعها أم في بعض أجزائها أو تفاصيلها أما التعليق على الأخبار الصحيحة بملاحظات غير صحيحه أو تشويه الحوادث فلا يعد من الأخبار الكاذبة ويملك الصحفي حق التعليق على الأخبار، ولا يعاقب القانون على نشر الأخبار الكاذبة إلا إذا نشرت على وجه يغير صحتها..أما نشر ما يدور في الجلسات السرية للمجالس التشريعية أو التنفيذية أو القضائية أو المحاكم أو من ينشر بغير امانه وبسوء قصد ما جرى في الجلسات العلنية فيقع تحت طائلة المسائلة الجنائية (المادة198فقرة ثانياً)، ويعاقب قانون العقوبات على من ينشر أو يذيع الأفعال أو الصور المخلة بالآداب العامة (المادة 199) كما يعاقب القانون من يحوز صورة تسيء إلى سمعة البلاد.
ويتساءل الكثير من الصحفيين والعاملين في حقل الإعلام عن محظورات النشر وما هي المناطق التي يعتبر الاقتراب من تناولها سبباً في الوقوع تحت طائلة التجريم والتعرض للعقاب،وحقيقة فإن آراء كثيرة واجتهادات متعددة بشأن محظورات النشر عند الحديث عن مواضيع وتفصيلات بعينها، ولعل مبعث الاجتهادات المتعددة هو مقاصد الألفاظ الواردة في قانون الصحافة رقم(25) لسنة1990م واللائحة التنفيذية لقانون الصحافة الصادرة بالقرار الجمهوري رقم(49) لسنة 1993م، والتي تتصف بالغموض والاتساع والعبارات الفضفاضة، ناهيك عن عدم دقة تحديد هذه الألفاظ التي جاءت في مصطلحات عامة ومطاطة، تحتمل أكثر من تفسير أو تعليل فعبارات مثل تشويه الحضارة العربية والإسلامية ، والمساس بالمصلحة العليا أو تناول أياً من قضايا الدفاع والأمن يمكن أن تستعمل لتجريم أفعال كثيرة مما لم يقصد المشرع ربما إلى تجريمها عند وضع القوانين المتعلقة بمحظورات النشر، كما أن مصطلح الآداب العامة وما يسيئ لكرامة وسمعة الأشخاص يختلف من مكان إلى آخر في البلد ومن وضع إلى آخر فما يجوز عند فئة من الناس ولا يعتبر مساس بالآداب قد لا يكون كذلك عند آخرين في منطقة أخرى.
ورغم أن من مهام اللائحة التنفيذية تنظيم وتفسير مواد قانون الصحافة التي تأتي على سبيل العموم إلا أنها لم توضح الغموض في ألفاظ القانون فقد زادت الغموض بدلاً من إزالته ، وجعلت الساحة واسعة لإساءة التفسير والتلاعب المقصود بنصوص القانون وبالتالي معاقبة صحف وصحفيين على ما لم يقصد المشرع إلى تجريمه.
إن المادة(103) من قانون الصحافة تضمنت (12) بند لمحظورات النشر، وهي كما سبق القول عامة وفضفاضة مما يدخل تحتها محظورات تتجاوز أثنى عشر محظور، والغريب أن اللائحة التنفيذية تضمنت (15) مادة تحت كل مادة عدد من البنود لمحظورات النشر، وبعبارة أخرى يمكن القول أن محظورات النشر في القانون اليمني هي الأصل والمباح نشره هو الاستثناء.
ففي القانون يحظر طباعة ونشر وتداول وإذاعة ما يمس العقيدة الإسلامية ومبادئها السامية أو يحقر الديانات السماوية أو العقائد الإنسانية، وما يمس المصلحة العليا للبلاد من وثائق ومعلومات سرية أو إفشاء أسرار الأمن والدفاع عن الوطن،وما يؤدي إلى إثارة النعرات القبلية أو الطائفية أو العنصرية أو المناطقية أو السلالية وبث روح الشقاق والتفرقة بين أفراد المجتمع أو ما يدعوا إلى تكفيرهم، وما يؤدي إلى ترويج الأفكار المعادية لأهداف ومبادئ الثورة اليمنية أو المساس بالوحدة الوطنية وتشويه التراث والحضارة اليمنية والعربية والإسلامية، وما يؤدي إلى الإخلال بالآداب العامة وما يمس كرامة الأشخاص والحريات الشخصية بهدف الترويج والتشهير الشخصي، كما يحظر نشر وقائع الجلسات غير المعلنة لهيئات سلطات الدولة العليا، ووقائع التحقيق أثناء مرحلتي التحقيق والمحاكمة بما يؤثر على سير العدالة والتي يحظر فيها النشر من أجهزة البحث والتحري والادعاء والقضاء، وفي القانون يحظر نشر بيانات أو أنباء أو معلومات أو أخبار غير صحيحة تهدف إلى التأثير على الوضع الاقتصادي وأحداث تشويش أو بلبلة في البلاد، ويحظر أيضاً التحريض على استخدام العنف والإرهاب،أو الإعلانات المتضمنة عبارات أو صور تتنافى مع القيم الإسلامية والآداب العامة، أو قذف وتشويه سمعة الأشخاص أو الاعتداء على حقوق الغير أو تظليل الجماهير،كما أنه من المحظور نشر إعلانات المستحظرات الطبية والتجميلية والمواد الغذائية دون إن تأذن الجهات المختصة، ويحظر أيضاً التعرض بالنقد المباشر والشخصي لشخص رئيس الدولة، ولا أن تنسب إليه أقوال أو تنشر له صور إلا بإذن مسبق من مكتب الرئيس أو وزارة الإعلام ما لم يكن هذا القول أو التصوير تم في حديث عام للجمهور أو مقابلة عامة، ولكن ذلك لا يسري على النقد الموضوعي البناء.
جاءت اللائحة التنفيذية للقانون بأحكام أشد ومحظورات أكثر، ومنها حظر طباعة ونشر وتداول وإذاعة ما يمس المصلحة العليا للبلاد من وثائق ومعلومات سرية ووقائع الجلسات غير المعلنة لهيئات السلطات العليا أو إفشاء أسرار الأمن والدفاع عن الوطن وتعتبر اللائحة أن من محظورات في المجال العسكري والأمني الكشف عن نوعية وحجم القيادة العسكرية لمختلف الوحدات والأجهزة والمعلومات المتعلقة بالشخصيات القيادية وسجاياهم وأعدادهم النوعي والنظري والتخصصي، وكذا اللوائح والوثائق المتعلقة بخطط وبرامج الإعداد القتالي والسياسي وحجم ونوعية التأهيل في المنشآت التعليمية العسكرية والأمنية وكذا القوانين واللوائح والأوامر والتوجيهات القيادية المنظمة لمهام وحياة القوات المسلحة والأمن وكذلك وثائق الندوات والاجتماعات واللقاءات الرسمية للقيادة العامة،وأيضاً الميزانية العسكرية ومواردها وبنود وأساليب صرفها، وبرامج وخطط وتأهيل وتنظيم وتدريب القوات المسلحة والأمن وتسليحها واستراتيجية الدفاع الوطني وكل ما يتعلق بالصفقات العسكرية أو نشر ما من شأنه إضعاف الروح المعنوية لدى أفراد القوات المسلحة والأمن أو إشاعة ما من شأنه التفرقة بين صفوفهم ويسري هذا الحظر على الصحف المستوردة، كما تحظر اللائحة نشر أي أخبار أو إعلانات مزورة أو فقرات يترتب عليها التسبب في ارتفاع أو انخفاظ السلع أو العملة عن قيمتها المقررة في المعاملات التجارية، أو بهدف الإضرار بالاقتصاد الوطني، و تحظر اللائحة أيضاً نشر أي مواد تحريضية تهدف إلى خلق تصميم لدى أشخاص أو الجمهور لارتكاب أفعال تعتبر جرائم في القانون.
إن محظورات النشر الواردة في قانون العقوبات أو قانون الصحافة أو لائحته التنفيذية لا شك أنها كثيرة وقد يكون لبعضها مبررات تقتضيها دواعي الأمن العام أو أمن وراحة الأشخاص، لكن من الواضح والثابت أن هناك تعسف من قبل السلطة التنفيذية في تفسير النصوص القانونية واستخدامها في أوقات معينة وضد جهات بعينها، دون أن يكون هناك جهة يمكنها أن تحفظ التوازن بين حرية الرأي والتعبير ومتطلبات الأمن الجماعي والسكينة العامة، وهذا ما يؤكد دعوتنا لمراجعة التشريعات بما يكفل وضع بنية تحتية للمطالبة بحق امتلاك وسائل الإعلام المرئي والمسموع باعتبارها حق ليس للأحزاب وحدها وإنما حق كذلك للقطاع الخاص
معوقات امتلاك وسائل الاتصال الجماهيري:
قد يرى البعض أن أولى المعوقات في مجال امتلاك الأحزاب والتنظيمات السياسية للإعلام المرئي والمسموع تتعلق بالسلطة السياسية خاصة إذا كانت الحاجة لامتلاك وسائل الإعلام متعلقة بأحزاب المعارضة حيث أن الأحزاب الحاكمة في العالم الثالث عموماً – ولا تستثنى اليمن منها بالطبع- تعتبر وسائل الإعلام من مصادر السيادة التي لا يمكن السماح لأحد بالاقتراب منها أو استخدامها، ولعل تجربة الانقلابات التي شهدتها دول العالم الثالث كانت تبدأ في الغالب من مبنى الإذاعة أو التلفزيون ومن هنا اعتبرت الأنظمة أنها القوة الثانية القادرة بجانب الجيش على تغيير النظام بالطرق غير السلمية، وأصبح الحرص على احتكار ما يتم بثه للجماهير حق للسلطة وحدها وللحزب الحاكم باسمها، وجرى استبعاد أحزاب المعارضة من إذاعة أي نشاط يتعلق بها كحق مكفول بنص المادة (24) و(42) من الدستور والمادة(31) من قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية التي تنص على أن ” تمكن أجهزة الإعلام الرسمية جميع الأحزاب والتنظيمات السياسية بالسوية من استخدام وسائلها لنقل وجهات نظرها إلى المواطنين..”، وقد شهدت إحدى المحاكم اليمنية في العام 1999م دعوى قضائية رفعت ضد وزارة الإعلام اليمنية من ثلاثة أحزاب هي التجمع اليمني للإصلاح والحزب الاشتراكي اليمني والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري حيث امتنعت الوزارة عن نشر البيان الختامي للمؤتمر العام التاسع للتنظيم الوحدوي الناصري وبتر فقرات من بيان اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني ومجلس شورى الإصلاح، وبغض النظر عن نتيجة الحكم فإنه لم يمنع وزارة الإعلام من تكرار ممارستها ضد نفس الأحزاب في الوقت الذي مكنت الوزارة الحزب الحاكم من تغطية كامل فعالياته عبر الصحافة والتلفاز والإذاعة، وفي الانتخابات النيابية الأخيرة 2003م جرى بتر فقرات من البرامج الانتخابية لأحزاب المعارضة المنظوية تحت تجمع “اللقاء المشترك” وذلك لتضمنها انتقادات للممارسات الحكومة، في الوقت الذي أصدرت هذه الأحزاب بيانات تستنكر فيها الدعاية الانتخابية التي صدرت عن رئيس الجمهورية للحزب الحاكم ومدحه لأداء الحكومة عشية وصباح الانتخابات النيابية.
قلت في البداية أن البعض يعتقد أن المعوقات متعلقة بالسلطة التنفيذية وذلك تحرزاً من سبب آخر متعلق بطبيعة العمل الإعلامي من حيث جوانبه الفنية، فمن المعلوم أن التطورات التي شهدها القرن الماضي جعلت من الإعلام سلعة مثل النفط والغاز وبالتالي فإن شروط قيامها و رواجها يعتمد على مجموعة من العوامل :
أولها أن ثقافة التبشير والدعوة لأهداف ومبادئ وبرامج الأحزاب السياسية يصطدم بواقع أن الإعلام وما يقدمه من مواد لن يكون مقبولاً وقابلاً للاستهلاك كسلعة مالم يكن قائماً على تلبية حاجة يبحث عنها المستهلك وليس مجرد خطاب إعلامي يعيد تكرار عبارات التمجيد وخطب إنشائية ومواقف يصبح تكرارها مملاً وشبيه بالخطاب الإعلامي الرسمي الذي يمجد المنجزات حتى وإن كانت وهمية وغير موجودة، أو يضخمها على تواضعها ويتابع ويرصد استقبالات واحتفالات رموز القائمين على هذه المحطات الإعلامية الأمر الذي يفقدها مصداقيتها.
وثانيها أنه بغير وجود مساحة واسعة من الحرية في طرح الرأي والرأي الآخر بكل قسوته وتطرفه يصبح الإعلام الحزبي تكرار للإعلام الرسمي ولعل تجربة قناة الجزيرة مثال يوضح ما نقصده، والشاهد في الموضوع أن هذه القناة استطاعت أن تكتسب مصداقية خلال فترة زمنية قصيرة بما تقدمه من مساحة لحرية الرأي تتجاوز المألوف لدى الإعلام الرسمي الأمر الذي احدث نقله نوعية في وعي المشاهد العربي وكان من نتيجة ذلك أن قناة الجزيرة واجهت حرب واسعة ولكنها في المقابل دفعت إلى تطوير قنوات أصبحت تحاكيها مثل قناة ابوظبي.
وثالثها متعلق بالكلفة المالية لوسائل الاتصال الإعلامية فالنشاط الإعلامي المحترف هو نشاط تجاري يهدف إلى الربح قبل أي شيئ ويحتاج إلى نفقات وأموال ضخمة تبدأ بأجور المخرجين والفنيين والمذيعيين ومعدي البرامج والمراسلين ولا تتوقف عند شراء البرامج وملاحقة الأخبار الهامة و والدفع لمصادر الأخبار، وفي هذا الصدد يمكن دراسة مشروع قناة السي أن أن الامريكية لمعرفة الأموال الضخمة التي صرفت على هذه المحطة،ولعل فيما قاله الدكتور المناضل عزمي بشارة عند سؤاله عن الدعم العربي للقضية الفلسطينية ما يدلل على ضخامة التمويل للنشاط الإعلامي حيث طالب العرب بأن يكون تمويلهم لعمل محطة تلفزيونية فضائية تكون خارج الوطن العربي للدفاع عن القضية الفلسطينية وتعمل بأسلوب محترف يعطيها مصداقية تكفل دعم غير محدود للقضية الفلسطينية.
ورابعها: تعديل التشريعات بما يضمن توفير قدر كبير من الشفافية في تداول المعلومات وتقليص الكمية المهولة من محظورات النشر التي لا تتوافق مع حرية الرأي والتعبير ضمن النشاط الإعلامي.
أخيراً..
إن أي صعوبات قد تنشأ أمام امتلاك الاحزاب والتنظيمات السياسية لوسائل الاعلامي المرئي والمسموع يمثل انتقاص ليس من حق هذه الاحزب ولكنه يمثل التفاف على الديمقراطية من حيث هي منظومة متكاملة، ويظل دور الاحزاب قائم في النضال للحصول على هذا الحق والمطالبة المستمره به للمارسة دورها في الحياة السياسية.
انتهى
المراجع
1- الحريات العامة في الأنظمة السياسية المعاصرة د. كريم يوسف أحمد كشاكش.
2- خالد قرمان- صحيفة الوحدة العدد (649)- الاستثمار في الإعلام المرئي والمسموع..هل آن أوانه.
3- صناعة القرار الأمريكي الآن محمد حسنين هيكل – مجلة وجهات نظر.
4- -قانون الجرائم والعقوبات اليمني.
5- قانون الصحافة والمطبوعات اليمني.
6- اللائحة التنفيذية لقانون الصحافة والمطبوعات اليمني.
*هذا المحتوى لا يعبر بالضرورة عن اليونسكو والصندوق العالمي للدفاع عن وسائل الإعلام ومنظمة صدى
لا يوجد أي تعليق .